ويقودُكَ الربُّ على الدَّوام (بقية من العدد السابق)

ثانيًا: أَشْبعِ الجائعينَ وساعَدَ المَساكين
ما أحلى كلمات النبي إشعياء حين قال في هذا الصَّدد:

"أليسَ أن تكسِرَ للجائع خبزَك، وأن تُدْخِلَ المساكين التّائهين إلى بيتك؟ إذا رأيت عريانًا أن تكسُوه، وأنْ لا تتغاضى عن لحمِك." نعم، لا يمكن للمؤمن الحقيقي الذي اختبر الرب ألَّا يتعاطفَ مع المتألِّمين وألَّا يشعر مع المحتاجين! يَقول الكتاب: "حينئذٍ يجيبونَه هم أيضًا قائلين: [يا رب، متى رأيناك جائعًا أو عطشانًا أو غريبًا أو عريانًا أو مريضًا أو محبوسًا ولم نخدِمْكَ؟" فيجيبهم قائلًا: [الحقَّ أقولُ لكم: بما أنَّكم لم تفعلوه بأحدِ هؤلاءِ الأصاغر، فبي لم تفعَلوا." (متى 44:25-45)
كنّا في كنيستنا هذه نقيم المؤتمر السنوي في مكان لم يكن فيه الطعام مثاليًا أو مرغوبًا به من قِبَل شعب الكنيسة. وحين اعترضوا كنت أذكّرهم دائمًا بأنّه في كل 11 دقيقة يموتُ شخص من الجوع في العالم. ليتنا نشكر الله على كلِّ ما لدينا من نِعَم وبركات ولْنتذكَّر دومًا أولئكَ الجائعين حولَ العالم والمحتاجين حتى إلى لقمةِ العيش. دعونا لا نفشل في عمل الخير لا سيما لأهل الإيمان لأنَّنا لا بدَّ أن نحصدَ في حينه. لكنَّ الجوع هنا له بعدٌ روحيٌّ أيضًا. إذ ليس الجائع إلى الخبز وحدَه هو المحتاج، لكن هناك أناسٌ جَوْعى إلى معرفة الحق فنراها تذهبُ لتلتقطَ الفُتات، فتتمسَّك بالبِدَع والديانات الغريبة علَّها تجدُ الراحة. ونحنُ المؤمنين لدينا الدواءُ الشافي، ولدينا كلمةُ الحقِّ والحياة... الخبزُ النَّازل من السماء! 
نحن في خدمة HOME نقدِّم أقصى ما لدينا من خُبراتٍ وخدَماتٍ لشفاء المريض جسديًّا، ولكن نهتمّ أيضًا بأن نصلَ إليه بالدواء الرّوحي أيضًا لأنَّه الناجع إلى الأبد. لا يمكنني أن أنسى أحدَ المؤمنين، الأخ عادل توفيق، الذي كان مصابًا بمرض السرطان، لأنه كان فعلًا مريضًا مميزًّا. كان يرتدي قميصًا مكتوبًا عليه: "أنا أسعدُ مريض بالسرطان لأنَّ يسوعَ المسيح هو مخلّصي". وكان يجوبُ بين المرضى في المستشفى MD Anderson Cancer Center في هيوستن، ليشجّعَهم بكلامه حين يسألونه عن سرِّ سعادته. وتأثَّر الكثيرون من كلامه وموقفه، وكان بالحق بركةً وتعزية لكثيرين.

ثالثًا: تجنَّب كلامَ الإثم المُشين
يتابعُ النَّبي إشعياء ليقول: "حينئذٍ تدعو فيجيبُ الرب... إن نزعْتَ من وسطك النّير والإيماءَ بالأصبُعِ وكلامَ الإثم." كلام الإثم، أي حين تتكلّم وتلفِّق التُّهم أحيانًا على الآخرين أو حين تفضحُ ضعفات الناس. والذي يومئ بأصبعه هو من يشير إلى أخطاء الغير. فهذا الإنسان لن ينالَ بركة الرب على حياته. "صُنْ لسانَك عن الشر، وشفتيك عن التكلُّم بالغشِّ. حِدْ عن الشرّ، واصنعِ الخير. اطلبِ السلامة، واسعَ وراءَها." (مزمور 13:34-14) وكذلك يحذّرنا الرسول بولس في رسالته الأولى إلى الكنيسة في كورنثوس فيقول: "إن كانَ أحدٌ مدعوٌّ أخًا زانيًا أو طمّاعًا أو عابدَ وثَنٍ أو شتَّامًا... أن لا تخالِطوا ولا تؤاكلوا مثل هذا." (11:5) "شتَّامًا" أي مشهِّرًا بإخوته وبالناس من حوله فهو كمثْلِ السكّير والطمَّاع والغشَّاش، لا فرق. "فإنَّه من فضلةِ القلب يتكلَّم فمه." (لوقا 45:6 ب) إذًا فاحفظ نفسك ولسانك.

رابعًا: أكرمْ بيتَ الرّب كلَّ حين
يقول النبي داود في مزمور 1:122 "فرحتُ بالقائلين لي: [إلى بيت الرب نذهب.]" فعلًا ما أحلى هذا القول، وما أجملَ أن يكون هذا شعارَ المؤمن في كلِّ الأوقات. جرَّبنا اجتماعات الزوم Zoom في الفترة الماضية لكن لا شيءَ يعادلُ اجتماع الإخوة بعضهِم ببعض. ألا يقول النّبي في مزمور 10:84 "لأنَّ يومًا واحدًا في ديارك خيرٌ من ألف. اخترتُ الوقوفَ على العتَبة في بيت إلهي على السَّكَن في خيام الأشرار." أذكُر مرارًا وتكرارًا الخدام القديسين في لبنان كالقس عادل مصري والقس فؤاد ملكي وأذكُر كلامَهما حين كانا يقولان لنا: "كل مؤمن حقيقي هو خادم - عليه أن يخدم الإخوة، ويسأل عنهم ويكون بالتالي بركةً لهم." خلال الحرب الأهليّة صاروا يضعون متفجّرات مستهدفين اجتماعات أولاد الله في بيت الرب، ولكن حتى في تلك الظروف الصعبة كنا كشباب نذهب لحضور الاجتماعات في يوم الرب ونهتمّ فيه. هذه هي تربيتنا الحقيقيّة حين كنّا طلّابًا مؤمنين ناشئين. نعم، "بالمحبة اخدموا بعضكم بعضًا." (غلاطية 13:5) "من أراد أن يكون فيكم عظيمًا فليكن لكم خادمًا." (متى 26:20) عندئذٍ يا إخوتي نصبحُ كجنَّةٍ ريّا. بيت الرب ليس هو الحجارة، لكن تجد فيه حجارةً حيَّةً هم أولادُ الرب. فتقف إلى جانبهم وهكذا يتشجَّعُ الجميعُ ويتقوّون. ويقول الرسول بولس في هذا المنحى في رسالته إلى الكنيسة في رومية: "وادّين بعضُكم بعضًا بالمحبّة الأخويّة، مقدِّمين بعضُكم بعضًا في الكرامة." (10:12) وفي رسالته إلى فيلبي يقول: "لا شيئًا بتحزّبٍ أو بعُجْبٍ، بل بتواضعٍ، حاسبينَ بعضُكم البعض أفضلَ من أنفسهم." (3:2) وأيضًا كعائلة بيت الرب، علينا أن نعيشَ في خضوعٍ لبعضنا لبعض. قال الرسول بطرس في هذا السِّياق: "كذلك أيها الأحداث، اخضعوا للشيوخ، وكونوا جميعًا خاضعين بعضُكم لبعضٍ، وتسربلوا بالتواضع، لأنّ: الله يقاومُ المستكبرين، وأما المتواضعون فيعطيهم نعمةً." (1بطرس 5:5)
وهنا لا يسَعُني إلَّا أن أذكّرَكم بما قاله الرئيس جون كينيدي - الذي اغتيل في تكساس - من كلماتٍ شهيرة حين كان يقدِّم خطابَ التنصيب الرئاسي عام 1960، قال: "لا تسألوني ماذا تفعل أميركا لكم، لكن أسألُكم أنا ماذا فعلْتم أنتم لبلادِكم." وكلماتُه هذه هزَّت أميركا إذ أضحتْ بمثابة حافزٍ كبيرٍ للصغير كما للكبير ليؤدّي الجميع مهمَّاتهم في الخدمة العامة. والآن أختم لأقول لكم يا إخوتي: لا تسألوني ماذا عَملَ الإخوة معكم أو ماذا قدّموا لكم، بل أسألُكم أنا: ماذا فعلتم أنتم في خدمة أولاد الرب في بيت الرب وحقلِ الرب. هذا بالضَّبط ما يُشبع قلبَ الرب وحينها يُشبعِ بالجُدوب نفسَك أنتَ فتصيرُ كجنَّة ريَّا.