في البداية، أذكّركم أننا نتكلم عن ثمر الروح القدس الذي هو "محبة فرح سلام، طول أناة لطف صلاح، إيمان

وداعة تعفّف." وقد تحدثنا في الأعداد السابقة عن ستة منها، والآن نتحدث عن الثمرة السابعة، ثمرة الإيمان. فما هو نوع الإيمان الذي ينتجه الروح القدس فينا؟ وهل الإيمان أنواع؟ نعم. إذًا فما هي أنواع الإيمان؟ ليس أنواعه فحسب بل درجاته ومستوياته:

أ- أنواع الإيمان

1– إيمان المعرفة، الإيمان العقلي: لكل إنسان نوع من الإيمان، فالشخص الشيوعي يؤمن بمبادئ الشيوعية، والشخص الملحد يؤمن بعدم وجود الله إلخ... والكثير من المسيحيين يؤمنون بالله، والمسيح، والثالوث، والكتاب المقدس، والتعاليم المسيحية... وقد يتعصبون لها ويدافعون عنها، لكنهم لا يعيشونها... إنها تملأ عقولهم فقط وليس قلوبهم. كما يقول الرسول يعقوب: "أَنْتَ تُؤْمِنُ أَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ. حَسَناً تَفْعَلُ. وَالشَّيَاطِينُ يُؤْمِنُونَ وَيَقْشَعِرُّونَ!" (يعقوب 19:2)
الإيمان الذي لا يقود صاحبه إلى اختبار الخلاص، وحياة القداسة، ومحبة الله، ومحبة الآخرين هو إيمان ميّت ولا يقود إلى السماء كإيمان سيمون الساحر (أعمال 13:8).

2– إيمان الخلاص: يقول الوحي المقدس: "لأَنَّكَ إِنِ اعْتَرَفْتَ بِفَمِكَ بِالرَّبِّ يَسُوعَ وَآمَنْتَ بِقَلْبِكَ أَنَّ اللهَ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ خَلَصْتَ. لأَنَّ الْقَلْبَ يُؤْمَنُ بِهِ لِلْبِرِّ وَالْفَمَ يُعْتَرَفُ بِهِ لِلْخَلاَصِ. لأَنَّ الْكِتَابَ يَقُولُ: «كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُخْزَى." (رومية 9:10-12) فهو الإيمان الذي يقود الإنسان للخلاص فيختبر عمل المسيح الكفاري لأجله على الصليب، فتُغفر خطاياه وتكون له الحياة الأبدية، لأنه "بالنعمة أنتم مخلّصون، بالإيمان..." "وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله، أي المؤمنون باسمه." "الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية، والذي لا يؤمن بالابن لن يرى حياة بل يمكث عليه غضب الله." (يوحنا 36:3)
فالإيمان الخلاصي هو اختبار الحياة الجديدة في المسيح يسوع، كاختبار سجان فيلبي وزكا والسامرية، إلخ...

3– إيمان الثقة، الإيمان الفاعل، العامل والمثمر
هو "الثقة بما يرجى والإيقان بأمور لا ترى." (عبرانيين 1:1) إيمان الاتكال الكلّي على الرب، والثقة الكاملة في مواعيده نتيجة الملء بالروح القدس، فينتج ثمرة الإيمان فينا.

ب- درجات الإيمان ومستوياته

بمعنى كلما أعطينا روح الله مكانة ومساحة أكبر في حياتنا ازدادت فاعلية وقوة الإيمان فينا، ويذكر الكتاب المستويات التالية:

• الإيمان القليل كما قال المسيح للتلاميذ: "ما بالكم خائفين يا قليلي الإيمان؟" (متى 26:8) وكما قال لبطرس: "يا قليل الإيمان، لماذا شككت؟" (متى 31:14)

• الإيمان العظيم كما قال المسيح للمرأة الكنعانية: "يا امرأة، عظيم إيمانكِ!" (متى 28:15)

• ومدح المسيح قائد المئة بالقول: "لم أجد ولا في إسرائيل إيمانًا بمقدار هذا!" وقال الرسل للرب: "زد إيماننا!" (لوقا 5:17) فالإيمان الذي هو من ثمر الروح ينمو ويزيد. هو الإيمان العامل والفاعل في حياتنا والذي يزيد ويثمر فينا فنرى ثماره واضحة في:

• إيمان حبة الخردل الذي ينقل الجبال (متى 21:21-22) فَأَجَابَ يَسُوعُ: «اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ وَلاَ تَشُكُّونَ فَلاَ تَفْعَلُونَ أَمْرَ التِّينَةِ فَقَطْ بَلْ إِنْ قُلْتُمْ أَيْضًا لِهَذَا الْجَبَلِ: انْتَقِلْ وَانْطَرِحْ فِي الْبَحْرِ فَيَكُونُ. وَكُلُّ مَا تَطْلُبُونَهُ فِي الصَّلاةِ مُؤْمِنِينَ تَنَالُونَهُ».

• إيمان الركب الساجدة، الذي يقودنا للصلاة والشركة الحقيقية مع الرب في كل ظروف حياتنا. فالصلاة والإيمان توأمان لا ينفصلان ولا يفترقان: الإيمان يعمل فينا لكي نصلى، والصلاة تعمل فينا لتقوية إيماننا (عبرانيين 6:11). "وَلَكِنْ بِدُونِ إِيمَانٍ لاَ يُمْكِنُ إِرْضَاؤُهُ، لأَنَّهُ يَجِبُ أَنَّ الَّذِي يَأْتِي إِلَى اللهِ يُؤْمِنُ بِأَنَّهُ مَوْجُودٌ، وَأَنَّهُ يُجَازِي الَّذِينَ يَطْلُبُونَهُ." فلندخل إلى محضر الله بثقة ويقين، ونتقدّم إلى عرش النعمة بدالة البنين، ونتوقّع ألّا نخرج من أمام الله فارغين، بل ننال ما طلبناه شاكرين. "فلنتقدّم بثقة إلى عرش النعمة لكي ننال رحمة ونجد نعمة عونًا في حينه." (عبرانيين 16:4) فلا صلاة مقبولة بدون إيمان، ولا إيمان حقيقي بدون صلاة.

• والإيمان الفاعل يضع الله أولًا في حياتنا كما فعل إبراهيم، فجعل الله أولًا قبل ابنه الوحيد: "بِالإيمان قَدَّمَ إِبْرَاهِيمُ إِسْحَاقَ وَهُوَ مُجَرَّبٌ - قَدَّمَ الَّذِي قَبِلَ الْمَوَاعِيدَ، وَحِيدَهُ الَّذِي قِيلَ لَهُ: «إِنَّهُ بِإِسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ إِذْ حَسِبَ أَنَّ اللهَ قَادِرٌ عَلَى الإِقَامَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ أَيْضًا، الَّذِينَ مِنْهُمْ أَخَذَهُ أَيْضًا فِي مِثَالٍ." (عبرانيين 17:11–19) قال السيد المسيح: "مَنْ أَحَبَّ أَبًا أَوْ أُمًّا أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي، وَمَنْ أَحَبَّ ابْنًا أَوِ ابْنَةً أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي." (متى 37:10)

• وهو الإيمان الذي يجعلنا نثق في الوعود الإلهية فنتمسّك بها. كَمَا أَنَّ قُدْرَتَهُ الإِلَهِيَّةَ قَدْ وَهَبَتْ لَنَا كُلَّ مَا هُوَ لِلْحَيَاةِ وَالتَّقْوَى، بِمَعْرِفَةِ الَّذِي دَعَانَا بِالْمَجْدِ وَالْفَضِيلَةِ، اللَّذَيْنِ بِهِمَا قَدْ وَهَبَ لَنَا الْمَوَاعِيدَ الْعُظْمَى وَالثَّمِينَةَ لِكَيْ تَصِيرُوا بِهَا شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلَهِيَّةِ، هَارِبِينَ مِنَ الْفَسَادِ الَّذِي فِي الْعَالَمِ بِالشَّهْوَةِ." (2بطرس 3:1-4)

• وهو الإيمان الذي يجعلنا نصدّ الخطية ونعيش حياة القداسة مهما كان الثمن الذي ندفعه "لأن إرادة الله هي قداستكم." كما فعل يوسف عندما قال: "فكيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله؟" ودانيال الذي قيل عنه: "أما دانيال فجعل في قلبه أنه لا يتنجّس بأطايب الملك ولا بخمر مشروبه."

• وهو الإيمان الذي يجعلنا نتحمّل الألم بصبر وشكر: "قد وُهب لكم لأجل المسيح لا أن تؤمنوا به فقط، بل أيضًا أن تتألّموا لأجله." "احسبوه كل فرح يا إخوتي حينما تقعون في تجارب متنوِّعة."

• وهو الإيمان الذي يجعلنا نسلِّم كلّ أمورنا في يد الله لأنه معه أمرنا. "سلّم للرب طريقك واتّكل عليه وهو يجرى." "لا يدع الصديق يتزعزع."

• وهو الإيمان الذي يجعلنا نستخدم السلطان الممنوح لنا: سلطان اسم يسوع الذي به هزم داود جليات "باسم رب الجنود"، واستخدمه بطرس فشفي الأعرج "باسم يسوع الناصري"، والتلاميذ شفوا المرضى وأخرجوا الشياطين "باسم يسوع".

• وهو الإيمان الذي يجعلنا نغفر لمن أساءوا إلينا ونسامحهم.

• وهو الإيمان الذي يجعلنا ننظر ونتطلّع إلى أعلى، إلى المجد العتيد: كما فعل إبراهيم: "بِالإيمان تَغَرَّبَ فِي أَرْضِ الْمَوْعِدِ كَأَنَّهَا غَرِيبَةٌ، سَاكِناً فِي خِيَامٍ مَعَ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ الْوَارِثَيْنِ مَعَهُ لِهَذَا الْمَوْعِدِ عَيْنِهِ. لأَنَّهُ كَانَ يَنْتَظِرُ الْمَدِينَةَ الَّتِي لَهَا الأَسَاسَاتُ، الَّتِي صَانِعُهَا وَبَارِئُهَا الله." (عبرانيين 9:11–10) نحتاج أن نصلى ونطلب: يا رب، زد إيماننا.