إن الكلمة الأبرز في الكتاب المقدس التي تشير إلى الحياة الثانية هي الكلمة العبرية sheol أي الهاوية،

والتي وردت خمسة وستين مرة في العهد القديم، وقد ترجمت في نسخة "فان دايك" للكتاب المقدس في صيغ ثلاث: "جهنم" 31 مرة، "القبر" 31 مرة، "الحفرة" ثلاث مرات، مما سبب بعض الارتباك عند الدارسين للمتن الكتابي حيال معنى "الهاوية"، فكلمة "الهاوية" في أماكن متباينة من الكتاب المقدًس تفيد معنى مختلفًا عن جهنَّم، فاستخدام كلمة "قبر" أحيانًا في ترجمة الكلمة "هاوية" لا يعني أنها تشير إلى القبر، فقد ترجمت الهاوية في بعض النصوص بالقبر لأن الكلمة تتضمَّن فكرة القبر، لكن ما يبدو واضحًا هو أنّ كُتَّاب العهد القديم أيقنوا أنً الذهاب إلى الهاوية لا يعني فقط الذهاب إلى القبر بل إلى الحياة الثانية، أيضًا هنالك كلمة عبرية أخرى تفيد بمعنى "القبر" Kever فقط، لكن الكتَّاب كانوا يفضِّلون كلمة "هاوية" لأنها تشير إلى مكان تمكث فيه الأرواح التي غادرت الأجساد، إمَّا في حالة عذاب أو في حالة هناء.
ولتوضيح الصورة عمدت بعض الترجمات الحديثة للكتاب المقدَّس إلى إبقاء الكلمة العبرية "هاوية" sheol كما هي دون ترجمتها، مثال على ذلك ما ورد على لسان يعقوب في أول استخدام للكلمة هاوية "إني أنزل إلى ابني نائحًا إلى الهاوية." (تكوين 35:37)
إذا نظرنا إلى العهد الجديد سنجد ثلاث كلمات يونانية مُختلفة للدلالة على جهنَّم:
الأولى هي "tartarus" وردت في 2بطرس 4:2 للدلالة على مقرّ الملائكة الأشرار الذين أخطأوا زمن نوح. "لأنّهُ إن كانَ الله لَم يُشفق عَلَى مَلائكَة قَد أَخطَأُوا، بَل في سَلاسل الظلامَ طَرَحَهُم في جَهَنّمَ، وسَلّمَهُم محروسينَ للقضَاء"، وقد استُخدمت الكلمة نفسها في السفر الصغير يهوذا (ع 6).
الكلمة الثانية التي يكثر استخدامها في العهد الجديد للدلالة على جهنم هي "gehenna" وقد سبق واستخدمها اليهود قبل زمن المسيح، وتشتقّ الكلمة من العبارة العبرية "وادي هنوم" الواردة في سفر ملوك الثاني 10:23 ونحميا 30:11). ففي ذلك الوادي خارج مدينة أورشليم قدَّم اليهود ذبائح بشرية للأوثان، وهناك أيضًا طُرحت قمامة المدينة التي أنتجت الديدان، وهذا يفسّر لنا لماذا أشار المسيح إلى جهنّم كمكان فيه "دُودهُم لا يَمُوت والنار لا تُطفأ." (مرقس 44:9، 46، 48) وقد جسّدت "جهنم" كمكان للقذارة، حيث النار لا تطفأ والدود لا يموت، وهذا وصف رائع لمصير الأشرار الأبدي، فقد أصبحت تلك الكلمة تحمل مفهوم "gehenna" وقد وردت في الإنجيل 12 مرة، وذكرها الرب يسوع المسيح 11 مرة. فقد تكلّم عن جهنم أكثر مما تكلّم عن السماء.
الكلمة الثالثة هي "hades" وقد ترجمت إلى "جهنم" في نسخة فاندايك وباقي الترجمات.
نكتشف من خلال نظرتنا المعمقة أن الكلمة العبرية "هاوية" استُخدمت للدلالة على مكان أرواح الأموات في العهد القديم، أما في العهد الجديد فقد تُرجمت كلمة "الهاوية" إلى الجحيم "hades" في اللغة اليونانية، إذ عندما تُرجم كل العهد القديم إلى اليونانية قبل المسيح، استُخدمت كلمة "الجحيم" بدلًا من كلمة الهاوية. وكذلك عندما يقتبس العهد الجديد نصوصًا من العهد القديم، تستخدم كلمة "الجحيم" بدلًا من كلمة هاوية، إنها كلمة واحدة وتفيد بالمعنى نفسه.
إن العهد الجديد يزيح الستار لكي نستطيع أن نرى بأكثر وضوح صورة الجحيم أو الهاوية كما نتوقعها. فالكلمة "جحيم" تستخدم فقط لوصف القبر، وكانت دائمًا تشير إلى عالم الأرواح التي فارقت الأجساد، ونجد هنا بعض الشرح المفصًل عن ماهية الجحيم بالنسبة للذين يتوفّون من المؤمنين، والذين يتوفّون من غير المؤمنين، لا شك أن الكثير من الغموض يتبدًد حالما يكشف الله الحجاب أمامنا.
لقد سلّم المسيح بما علَّمه اليهود بأن الهاوية والجحيم يتضمنان مكانَين مختلفَين، ولكي يؤكد للفريسيين الطمّاعين أن مستقبل الأغنياء قد ينقلب يومًا ما في العالم الآتي، تلا قصّة تحملنا إلى وراء الحجاب الذي يفصل الأحياء عن الأموات. فقد روى قصة عن رجل غني كان يلبس البَزّ والأرجوان ويتنعّم كل يوم مترفِّهًا، ومات وذهبت روحه إلى الجحيم. ومسكين اسمه "لعازر" كان يُطرَح عند بابه... ومات كذلك وحُمل إلى أحضان إبراهيم... المكان السعيد في الهاوية. أي بمعنى مقر أرواح الأموات. ثم يبدأ في وصف الحياة الثانية هكذا: "فرفع عينيه في الجحيم وهو في العذاب، ورأى إبراهيم من بعيد ولعازر في حضنه، فنادى وقال: [يا أبي إبراهيم، ارحمني، وأرسل لعازر ليبلّ طرف إصبعه بماء ويُبَرِّد لساني، لأني معذَّب في هذا اللهيب.] فقال إبراهيم: [يا ابني، اذكُر أنّك استوفيت خيراتِك في حياتك، وكذلك لعازر البلايا. والآن هو يتعزّى وأنت تتعذّب. وفوق هذا كلّه، بيننا وبينكم هوّة عظيمة قد أُثبتت، حتى إن الذين يريدون العبور من ههنا إليكم لا يقدرون، ولا الذين من هناك يجتازون إلينا.]" (لوقا 23:16- 26)
من الخطأ أن نظن أن هذا الإنسان المعذَّب انتهى به الأمر في الجحيم لأنه كان غنيًّا. يعلمنا العهد الجديد بوضوح في أماكن أخرى أن لا علاقة للغنى أو الفقر في تقرير مصيرنا الأبدي. يجب علينا أن نتذكّر أن المسيح أخبر هذه القصة لكي يبيِّن للفريسيين الطمّاعين أن غناهم لن يخلصِّهم، وقد يكون مصير الفقراء أفضل في الحياة الأخرى.
فماذا عن لعازر المؤمن في هذه القصة؟
نرى هنا أن المكان الذي يُسمّى "هاوية" أو "جحيم" سُمّي بـ "حضن إبراهيم" في هذه القصة. لكن بعد قيامة المسيح وصعوده فإن المؤمنين يذهبون مباشرة إلى السماء. بكلام آخر، إن موقعي الجحيم ليس جنبًا إلى جنب، فحضن إبراهيم هو اليوم في السماء، والجحيم هو المكان الذي يذهب إليه غير المؤمنين بالمسيح يسوع.