لعبادة الأوثان قصة وتاريخ، وتبدأ هذه القصة من فطرية الإنسان ومن وازعه الديني. والحق يُقال

إن هذا الإنسان مخلص في معظم الحالات أكثر مما يظن، فالوثنية محاولة خاطئة لتجسيم شخصية الله، لأجل هذا نجد بولس الرسول في أثينا يتكلم إلى الوثنيين قائلًا: "أراكم من كل وجه وكأنكم متديّنون" لكن ما يشوّه هذه العبادة هو أنها تنبع من فكر الإنسان وتتولّد من تصوّراته الخاطئة عن الله.
فصار الإنسان يعبد مصنوعات الأيدي ويسجد للمخلوق دون الخالق، فكانت النتيجة أنه تخبط في دياجير الظلام:
فمرة عبد التمثال (دانيال 1:3)، ومرة أخرى عبد الملائكة (كولوسي 18:2)، أو عبد الكواكب كالعبادة الأخناتونية. وبعبارة أخرى، لقد أراد الإنسان أن يُلْبِس الله اللامحدود المحدودية، وأن يمثِّـل جلال الله تعالى بمثل تفننها على مرّ العصور، وبحسب الظروف، وكما تمليه عليه "القريحة"، ولهذا نزلت الآية الثانية من الوصايا العشر تنهي الإنسان عن العبادة الباطلة: "لا تصنع لك تمثالًا منحوتًا، ولا صورة... لا تسجد لهنّ ولا تعبدهنّ"، ونجد فيها توجيهًا للإنسانية نحو نقاط هامة:

أولًا: ماذا يعبد الناس؟

لم يترك الله الإنسان دون أن يعلن ذاته له. ففي كل العصور وجّه الإنسان بظهورات متعدّدة وبعجائب خارقة لكي يسير الإنسان في الطريق الصحيح، لكن الإنسان يميل إلى ما هو مادي لأنه خُلق من المادة. لذلك تميَّزت الحضارات القديمة المختلفة بآلهة كثيرة متعددة. ولقد تجاوب الله مع البشر فقدَّم للبشرية صورة مفهومة للبشرية عنه في شخص ربّنا يسوع المسيح "الذي، وهو بهاء مجده، ورسم جوهره، وحاملٌ كل الأشياء بكلمة قدرته". فالوثنية هي محاولة للابتعاد عن هذه الشخصية، ذلك ليس بحسب تعريف العهد القديم فحسب، بل بحسب تعريف العهد الجديد أيضًا. ففي تصرّفات يربعام بن ناباط الذي جعل شعب الله يخطئ بما صوره آلهة نرى صدقًا لقولنا، بل هذه الآلهة تتمثّل أحيانًا في:

1- العناد: والمقصود بالعناد عدم الإذعان أو الخضوع لصوت الله سواء في الضمير أو في الأذن "لأن التمرّد كخطية العِرافة، والعناد كالوثن والترافيم." (1صموئيل 23:15) وهذه الخطية نراها في العهد الجديد ممثّلة في التجديف أو مقاومة عمل وصوت الروح القدس؛ تلك الخطية التي لا تُغتفر، بل هذه الخطية تمنع رضى الرب حتى بالتقدمة (إشعياء 1:11-4). فحذار من أن تقسّي القلب وتصلِّب الرقبة لئلّا تُحسب في عداد الوثنيين كما في متى 17:18.

2- الطمع: "الطمع الذي هو عبادة الأوثان." (كولوسي 5:3) الطمع في المال، أو في النساء فالتطاول في هذه الأمور يجلب غضب الله المريع على الإنسان ويجعله خارج المدينة المقدسة (رومية 22:15). وبالاختصار، فإن اتجاه القلب لغير الله هو مكرهة عند الرب لأنه "يَخْزَى كلُّ عابدي تمثال منحوت، المفتخرين بالأصنام." ولأن هذه كلّها من أعمال الجسد (غلاطية 19:5-20)
فأين أنت من الخلاص الذي أتمّه المسيح لأجلي ولأجلك عندما أهرق آخر نقطة من دمه الثمين؟ و"نحن الذين متنا عن الخطية، كيف نعيش بعد فيها؟" فهل تقبله أم ترفضه؟

وأين أنت من التوبة؟ والتوبة تعني ترك العناد، والعصيان، والنجاسة، والإثم، والكذب، والاحتيال، والبغض، والحسد، والمذمّة، وعبودية الخطية. إن التوبة تعني تغيير الفكر من جهة الخطية وتغيير الطريق. وأين أنت من شبح الموت؟ والحيرة، والقلق، وموجة الصمت الرهيب؟
"ما هي حياتكم؟ إنها بخار يظهر قليلًا ثم يضمحلّ." (يعقوب 14:4) هل تريد أن تستعد الآن؟ وأين أنت من الدينونة؟ "لأن الله يُحضر كلَّ عملٍ إلى الدينونة..." و"وُضِعَ للناس أن يموتوا مرة ثم بعد ذلك الدينونة." (جامعة 14:12؛ وعبرانيين 27:9)
بشَّر أحدهم صديقه عن خلاص نفسه، فقاطعه قائلًا: "لكنك لا تعرف من أنا." فأجابه: "يسوع يعرف من أنت، ويخلّص كل الخطاة ولو كان ماضيهم حالك السواد، ودمه يطهِّر من كل خطية، فهل تأتي إليه الآن؟

ثانيًا: العبادة الحقَّة
وهذا هو التشديد الثاني في هذه الآية إذ يقول: "لا تسجد لهن ولا تعبدهنّ". وهنا نرى صورة سلبية وتتضمّن في باطنها الإيجابية، فالله يأمرنا بالاعتزال (1كورنثوس 14:10-19؛ و2كورنثوس 16:6)، بل ويأمرنا أيضًا أن نوجّه عبادتنا لشخص وحيد وهو الله "للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد". لكن وراء كل عبادة هناك "من" أو "ما" يُعبد، فلمن تُقدِّم هذه العبادة؟ تقدَّم لإلهٍ غير منظور بالروح والحق بالإيمان الواثق. وهنا تواجهنا مشكلة وهي مشكلة الإيمان، فكثيرون فشلوا في هذه الناحية. وسرّ الفشل أنهم لم يختبروا الله الحيّ. لقد توجّهوا إلى الدين وكأنه نظريات ومسائل، وأسقطوا من حسابهم أن الله قال عن نفسه استطرادًا لهذه الوصية: "لأني أنا الرب إلهك إله غيور، أفتقد ذنوب الآباء في الأبناء في الجيل الثالث والرابع من مبغضيّ، وأصنع إحسانًا إلى ألوف من محبيّ وحافظي وصاياي."
حينما دُعي ستانلي جونس لمؤتمر المائدة المستديرة الذي ضمّ ممثلين عن الديانات الشرقية لم يضع المسيح بجوار بوذا وزارادشت وآلهة البراهمة، فالمسيح أسمى كسموّ الله عن الإنسان، لأن هذا الرجل العظيم كان قد اختبر الحياة مع الله وعرف من هو المسيح الذي لا شبيه له ولا مثال "فبمن تشبّهون الله، وأي شبه تعادلون به؟ الصنم يسبكه الصانع، والصائغ يغشّيه بذهب ويصوغ سلاسل فضة. الفقير عن التقدمة ينتخب خشبًا لا يسوِّس، يطلب له صانعًا ماهرًا لينصُبَ صنمًا لا يتزعزع!... [فبمن تشبّهونني فأساويه؟] يقول القدوس."
لقد قدّمت الوثنية للناس إشباعًا مؤقتًا للشهوة، لكنها لم تستطع أن تشبع القلب. لقد وهبت للإنسان تحريكًا للعاطفة، لكنها لم تصِل السلام للقلب والحياة. إن ديانا وإيزيس وفينيس كاد يطوي ذكرهم الزمن، بل كل ما يشبههم من الحياة البشرية من المعبودات هو باطل وإلى زوال. في الأديان غير المسيحية الإنسان هو قطب الرحى، أما في المسيحية فالله هو مدار الاهتمام... الدين فلسفة الحياة، أما المسيح فهو الحياة ذاتها، بل وأن المسيحية هي دعوة إلى طريق غير معقد والناموس مع سلطته وكماله كان "مؤدِّبنا إلى المسيح". فهي دعوة إلى ناموس جديد (ناموس المحبة). لذلك هوذا يسوع إله السلام ورب الحياة يدعوك دعوة صريحة، وهو الحي إلى أبد الآبدين، لكي تكون لك معه شركة عظيمة، شركة في النور وشركة في الحياة وشركة في الأبدية. فتعال إليه لأنه قال: "تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم".